إلى اللقاء أستاذي الرائع
المكان: ثانوية يوغرطة.
الزمن: الجميل (بالنسبة لي ولرفاقي على
الأقل) 1980-1981.
القاعة: لا أذكر رقمها لكنها الولى بعد
مكتب الناظر بالقرب من المكتبة وتطل على الطريق الرئيسي بالكدية، قسنطينة.
المادة : الأدب العربي.
الأستاذ: حريّش ببذلة زرقاء ومحفظة سوداء. نناديه
"سيدي حريّش"
لم نكن نعرف اسمه وكنّا نعتبر أنه لا يحق
لنا ذلك لأن أسماء الأساتذة كانت تخصّهم وهي جزء من حياتهم التي يتركونها خارج
المؤسسة. نتعامل بالألقاب كي نبقي على المسافة الجميلة بين التلاميذ والمعلم حتى
تظل عملية التعليم والتربية خالية من العلاقات الشخصية و "الدخاصة/
الدسارة" التي قد تؤثر على أنساق التعلم (الشيخ شيخ والتلميذ تلميذ – كان المبدأ
الذهبي السائد).
الأستاذ حريش واحد من الذين لا يمكن
نسيانهم لأنه بالنسبة لنا كان الإمبراطور الهادئ. نادرا ما يزجر تلميذا أو يعنّف
متخلفا عن الدرس أو مقصّرا في القيام بواجباته المدرسية. قطعة الطباشير بين أصابعه
دائما والجواب على لسانه دوما. لا يعجز في الإجابة أو تقديم النصح. تعلمنا النحوَ
والصرفَ وخاصة الإعراب على يديه. كان وأخواتها وإنّ وأخواتها وأدوات النصب والحال
وجمع التكسير وجمع الجمع وجمع هذا وذاك وتلك وأولئك وتلكم وهؤلاء وتانك ...كانت مناسبة
للضحك في كل مرة لأن الكثير منا لم يكن يحسن ذلك. حتى أنه من كثرة الانفعال كان
يسهو عن طقم أسنانه العلوي الذي يكاد يقفز من فمه لكنه يعيده إلى مكانة بطريقة
ميكانيكية غير آبه، مركزّا على الدرس الذي كتبَ عنوانه على السبورة الخضراء حين
دخل إلى القاعة.
أهديه شهادة الباكالوريا التي حصلتُ عليها
بعدها بفضله وكل ما أنجزته باللغة العربية بعد ذلك في كثير من المجالات.
غادر عالمنا إلى الأبد وبسبب الملك
"كورونا" لم نسمع بالحادث الأليم ولم نحضر الجنازة ولم نشارك في الدفن بل
جاءنا الخبر في "النصر" جريدتنا المحترمة.
اللهم ارحمه برحمتك واسكنه جناتك وتقبل
دعوات المئات من التلاميذ الذين يحبونه ويذكرونه بخير.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire