وداعا صديقي جمال
بالصدفة وجدتُ خبر رحيل صديقي جمال الذي
كان أيقونة سنة 1994. عملنا معا في جريدة Le Libre التي كان مديرها هشام عبود (تلك حكاية أخرى)
وكان يعمل بالقسم الوطني. كانت الجريدة بالطابق الثاني من دار الصحافة بالمنطقة
الصناعية وكان دوما يرتدي لباس "شانقهاي" أزرق (مثل الذي في الصورة)،
لباس البروليتارية، كان يقول دائما وابتسامة تلوح على محياه. يلبس نظارتين مدورتين
لضعف نظره. حين ترتفع درجة الحرارة في قاعة التحرير، يتخلص جمال من سترته الزرقاء
ويبقي فقط على التريكو الأبيض الداخلي. لا يبالي بأحد بل يعيش اللحظة كما يرتجيها
هو وبكل حرية. يضع الكثير من الأوراق فوق الطاولة ويكتب الكثير و لا يحتفظ سوى
بالقليل. أسأله: "لماذا ترمي كل ما تكتبه و ما تكتبه مهمّ؟" يقول دوما:
إني أبحث عن الكمال / La perfection/ الذي لا أجده في مكان
آخر، قد أمنحه هنا فرصة، ثم ينفجر ضاحكا. يمدّ يده إلى كيس بلاستيكي فوق الطاولة
فيه شعرة نبات "العرعار" ويضعها في وريقة الماصة يصنع منها سيجارة
يشعلها بكل هدوء، ينفث بعض "الجبدات" ثم يقول: هذا أحسن من كل أنواع
السجائر المستوردة...ويضحك ضحكته الصافية.
أذكر في إحدى
المرات، كلف هشام عبود مدير الجريدة مجموعة من الصحفيين لإنجاز ملف حول السكن
واللصوص الذين يتخفون وراء القطاع وملفات الفساد. كان جمال سعيدا جدا لأنه يرى أن
في ذلك صفات العمل الصحفي الحقيقي وهو كشف "العصابات" التي تمص دماء
البروليتارية وهو سيشارك في تلك المهمة النبيلة. عمل لقرابة أسبوع وكان يبتهج لكل
معلومة ترد لتكمل الملف كي تدق نعش من يتاجرون بسكنات الجزائريين الضعفاء
والمحتاجين. في أحد الأيام جاء بمعلومة أخرى بعد أن أجرى تحريات كثيرة لكنه تفاجأ
بقرار المدير بتوقيف إنجاز الملف. عرفنا بعد لحظات وصول إشهار لمدة شهر من شركة
وطنية محلية مسؤولة عن قطاع السكن/ ذاك يذر على الجريدة الملايين آنذاك. تذمر جمال
كثيرا وبأسلوبه الساخر، أخذ نفثة من سيجارة العرعار قائلا: "ربي يبقّي
الستر" وضحك ضحكته المعهودة.
كان جمال زراية /
كان اسمه يكفي كي أتعرف عليه من ملايين البشر ولم أتعرف على لقبه سوى من المنشور/ والمدعو
توفيق، يعمل أستاذا للغة الفرنسية في متوسطة ثم كاتبا عموميا يعرفه كامل سكان
الكيلومتر الرابع "الكاطريام" بقسنطينة.
وداعا صديقي، هذا
العالم لا يحتاج لأمثالك الطيبين لكني سأفتقد ابتسامتك وجلستك تلك بسيجارة العرعار
وأنت تسخر منهم...بالكيلو والقنطار / كما كنتَ تقول دائما.