lundi 9 septembre 2019



مايكل جاكسون...والفراشات
بكلية العلوم السياسية، جامعة قسنطينة، كنتُ مشرفا على مذكرته للماستر 2. كنا بعد أن ننهي عملنا ننصرف إلى حكايات هامشية لم تكن هامشية أبدا بالنسبة إليه. يعشق الموسيقى إلى حد الهوس. تحدثنا عن Dire Straits/ Miles Davis/ George Benson وغيرهم من الموسيقيين العالميين. ابتسم حين رأى أنني أحب مايكل جاكسون وأتتبع خطواته منذ"مونوولك". هو يعرف تفاصيل حياته وأغانيه. بعد أن ناقش مذكرته في نهاية السنة الجامعية الفائتة، قدم لي هدية كي يشكرني على العمل المشترك: قرص لوثائقي يحكي قصة مايكل جاكسون من البداية حتى النهاية. شكرا عصام.
تحدثنا عن النص الذي نشرتُه مباشرة بعد وفاة المغني الرائع. ها هو.
000000000000

مايكل جاكسون: أنت الذي تزرع الفراشات بداخلنا

عبد السلام يخلف


شهرة مايكل جاكسون نابعة من إبداعه اللامتناهي و المتعدد الأشكال و الأبعاد. لم يبتعد عن أغنية "البوب" التي التصق بها إلى أن تركها في أوجها مع كوكبة من الفنانين الذين يتربعون على عرشها اليوم. لم يعرف الرجل فقط برقصته الشائعة "مونوولك" أي مشية القمر التي يحدث بها هزة في الحواس بحيث يبدو أنه يمشي إلى الأمام في حين يذهب إلى الخلف، و لم يشتهر فقط بقصة تغيير لون بشرته من الأسود إلى الأبيض بسبب مرض جلدي أو ذريعة أخرى مقبولة كما أنه لم يشتهر بخرجاته البهلوانية مثل بقائه في برميل زجاجي كي يتنفس الأكسجين النقي أو يقضي الساعات الطويلة رفقة قرد من نوع الشامبانزي (رغم أن هذه النقطة الأخيرة ليست عيبا لأن القرد مخلوق "طيب" و يحسن الاستماع و التعلم).
اشتهر المطرب أكثر ما اشتهر بنصوص أغانيه، تلك النصوص التي تتحدى التافه و الباهت من كلمات الأغاني المتكررة حد الإسفاف و المبتذلة حد الإزعاج. غنى مايكل أغانيه بكل حب بحيث في كل مرة يخرج للنور نصا إلا و حفظه مستمعو ألحانه بكل خفة لأن نصوصه تشكل مقطوعات شعرية طافحة بالحفر في أغوار الذات الإنسانية سواء بالتعرض إلى مسائل الحب و القصص الغرامية الفاشلة أو إلى المسائل العالمية كالتلوث و الفقر أو حتى محاولة حث الناس على بذل المجهود اللازم من أجل رسم معالم عالم خال من الحروب و النزاعات.
أجمل ما غنى من نصوص هو ذلك النص الذي يحمل عنوان "لا اشراقة للشمس بعد ذهابها" حيث يقول: "لا دفء بعد ذهابها / لا اشراقة للشمس بعد ذهابها/ يطول غيابها/ في كل مرة تغيب../ فقط الظلمة في كل يوم/ و هذا المنزل ما عاد منزلا/ حين تغادره". نكتشف معه كيف أن المكان يستمد روحه من روح الإنسان الذي يسكنه و يستقي معناه من تفاصيل الحياة اليومية التي تصنع فيه لحظة بلحظة من قبل تلك المرأة التي يحب و التي يخاطبها في أغنية "لا بأس الآن" قائلا لها: "تشبهين الهواء الثمين الذي أستنشق/ بدون حبك/ أبقى ناقصا/ و "أبدا" الذي هو ملكي يبدأ الآن". نفس المرأة أو امرأة أخرى (تلك حكاية أخرى) يقول لها في أغنية "حبيبتي كوني لي": "أنا لا أحتاج إلى الأحلام / حين تكونين بجانبي/ كل لحظة تأخذني إلى الجنة" تلك الجنة التي يصنعها الرجل بيديه و لا يأبه بجنة قد لا تأتي و إذا ما أتت يقول أنه بإمكانها الانتظار قليلا. الحب عند مايكل ناعما مثل تلك المخلوقات الهشة التي تدخل الحكاية من خصرها و تلخصها في لغة بسيطة لكنها طافحة بالمعاني التي تدغدغ النفس وتخدرها بلمسة هادئة كما في أغنية "الفراشات" التي تقول جزء من خرافتها بحنو كبير: "كل ما أطلب منك يا عزيزتي/ أن تذهبي/ أن تمري بجانبي/ أن تتجاهلي ابتسامتي حين أحييك/ ألا تردي على مكالماتي حين أريد الاتصال/ لتدفعيني كي أتساءل لماذا/ كل ما أفعله/ أتنهد/ أتمنى أن تكوني إلى جانبي/ لأنك تزرعين الفراشات بداخلي". يبدو أن الفراشات قد تتحول إلى كذبة تتسلق قامة الكلام و تصبح وحشا يهدد الكائن في غفلة منه و ما أغنية "بيلي جين" سوى نفحة من هذا العالم الذي قد لا تبدو الأشياء كما نريد أو قد تتستر وراء نية خبيثة تشكل عالمها الخاص سحرا أخاذا يقود في نهاية المطاف إلى الحتف المؤكد: "قال لي الناس/ انتبه إلى أفعالك/ كن حذرا/ لا تكسر قلوب الفتيات الصغيرات/ و نبهتني أمي/ إلى من أحب/ إلى ما أفعل/ لأن الكذبة تصبح حقيقة". حكاية النص معروفة لأنه لا يعترف بهذه المرأة التي تدعي أن لها ولد من ذاك الرجل و لهذا ينبه مايكل الناس إلى عدم السقوط في فخ الشبكة العنكبوتية من العلاقات التي تبدو للوهلة الأولى ناعمة ساحرة و تتحول إلى وحش قد ينغص ما تبقى من بهرج الحياة البسيط. يتعلق الفنان في نص "المرأة التي في حياتي" بذاك البريق الذي يشع في الأفق ليلا: "لا ظلمة هذه الليلة/ سيشع حبنا يا امرأة/ ضعي ثقتك بقلبي/ موعدنا في الجنة/ أنت كل أعجوبة لي/ كنز لا يسرقه الزمن مني" و حين يؤمن يصبح على استعداد كي يلعب كل الأدوار كما في أغنية "لن أدعها تفلت مني": " سوف ألعب دور المجنون من أجلك/ سوف أغير القوانين من أجلك/ أطلبي و سألبي". رغم أن المصائر قد تكون مزعجة للنية و تختلف طينة البدء كما في أغنية "حديقة التسلية" حيث يقول مايكل: "هي من عالم الحلوى/ من ركوب الأحصنة/ من ضحك الأطفال/ أنا من عالم الخيبات/ أريدها لي/ بدأت أحدثها/ لكنها راحت تمشي/ غابت في الزحام/ تركت قلبي هناك ".

القدرة على تخطي الصعاب و مكافحة كل أنواع العراقيل بعد مسيطر في أغاني مايكل جاكسون الذي يهوى تقديم الدروس إلى درجة أنه يغني بلغة سريالية كما في أغنية "غير صالح":"قيل لي/ أن سلوكك سيء/ كلامك قبيح/ تبكي وحيدا/ ليس الذئب كما الإنسان/ و أنت ترمي الحجارة/ كي تخفي يديك" و يضيف شيئا يقترب من هذا بقليل: "أيتها الأرجل/ استمري في المشي/ لا تسمحي في شبر من الأرض/ استمري/ على الطريق التي اخترت/ لا تتوقفي عن المشي/ حين تفقدي الأحذية". يقول مايكل لكل من تعب من متاعب الحياة و مل المسير حتى و إن لم يفقد حذاءه:"يأتي عليك زمن/ تتأسف على مجيئك الحياة/ تستيقظ في صباح ما/ على ذهاب شجاعتك/ اعلم أن الإحساس لا يطول/ ابق معنا/ سنريك كيف تبتسم" و حتى يقولها بضمير المتكلم في أغنية "أأكل حيا": "اربطني إلى شجرة/ ازحف على جسدي/ قطع ثيابي/ مرغني في الوحل/ سأكون عبدا لك/ كل ما تبتغيه/ لكنني أرفض أن يأكلوني حيا". يكشف في أغانيه العاهات التي تعتري السلوك البشري و يضع الأصبع على الداء و لكن بطريقة فنية راقية بعيدة عن كل سطحية أو كلام تقريري كما في أغنية "المال": "إذا ما أريتني المال/ سآخذه/ إذا ما أمرتني بالبكاء/ سأصطنعه/ إذا ما قدمت لي يدا/ سأصافحها/ أفعل أي شيء من أجل المال/ أبيع روحي للشيطان".

ما يلفت الانتباه في أغاني مايكل جاكسون هو ذاك الاهتمام الكبير بالقضايا الشائكة و خاصة تلك المتعلقة بالإنسان و البشرية بصفة عامة و التي يلجأ إلى قولها بأدوات فنية قد تتعدى بكثير ما يستطيع أن يفعله الفنانون الآخرون كما في أغنية "أنت جزء آخر مني": "هذا كوكبنا/ أنت واحد منا/ استوت الكواكب في خط واحد/ و نحن نستقدم أياما أجمل/ كلها مستوية في خط/ ألا تراها؟/ إنها في انتظارك". تحدث الأشياء بتناغم شديد و انسجام كبير دون أن تقصي عنصرا من مكونات المسار الذي يرسمه مايكل بدقة كي يضع كل جزء في مكانه و يوجه كل سهم إلى وجهته الأولى:"أنظر/ ليست المسألة مسألة أجناس/  مسألة أماكن/ وجوه/ من أين يأتي دمك؟/ من مكانك/ رأيت المضاء يصبح مظلما/ لن أقضي حياتي/ أن أكون مجرد لون../ إذا كنت تفكر/ أن تكون أخا لي/ فليس مهما/ أن تكون أسودا أو أبيضا"(أغنية "الأسود و الأبيض"). أما "أغنية الأرض" فهي ملحمة رآها المشاهدون على شاشة التلفزة و قد انبهروا لصور الفيديو كليب الذي يرينا الأشجار تعود إلى أماكنها بعد أن استأصلت من جذورها و الحيوانات تعود إلى الحياة بعد أن طالتها يد الإنسان الشريرة لكن يبدو أن النص أجمل بكثير:" ماذا عن شروق الشمس؟ ماذا عن المطر؟/  ماذا عن باقي الأشياء التي قلت أننا سوف نجني؟/ ماذا عن قتل الحقول؟/ ماذا تبقى من الوقت؟". يذكرنا النص بكل ما أهملناه و يحيلنا على صورتنا الحقيقية، صورة إنسان لا يتورع في استعمال كل آليات التدمير و أدوات تخريب ما تبقى من ثروات قد لا تصل للأجيال القادمة. صورة الأرض التي تصرخ هي وجه جديد لعالم لا نرغب أبدا في مشاهدته و وجهة لا نقبل أبدا في الذهاب نحوها في الوقت الذي نعمل على تحقيقها و تقوية أزرها. قبل أن يحدثنا مايكل عن هذه الأشياء كي نبدأ بتغيير العالم نرى أنه يعرف الحكاية جيدا "حتى يغيروا ما بأنفسهم" فغنى "الرجل الذي في المرآة" و التي هي واحدة من أغانيه المشهورة ذات البعد الإنساني الخارق الذي يضع كل واحد منا أمام ذاته و أمام ضميره كما أنه يرى نفسه على صفحة من ماء يرد الصورة كما التقطتها قطراته:"حين كنت أحسن هندامي/ معطفي الشتوي المفضل/ هته الريح تعصف بعقلي/ أرى الأطفال في الشوارع/ لم يأكلوا حد الحاجة/ من أكون حتى أتعامى/ مدعيا عدم معرفة حاجياتهم/.. إذا ما رغبت/ في جعل العالم مكانا أحسن/ أنظر لنفسك/ قم بالتغيير/ ها أنا ذا أبدأ/ بالرجل الذي في المرآة".
غنى الرجل العالم الجميل و ترك نصوصا راقية تنبض بالحياة.

عبد السلام يخلف





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire