lundi 23 mars 2020


ستموت خالتي الضاوية...لا أصدّق
ركبتُ سيارة أجرة بجانب السائق وركب في الخلف رجلان وشاب يبدو عليه التعب ويده ملفوفة بقطعة جبس. بعد أن قطعت السيارة مسافة قليلة قال الشاب بصوت فيه احترام كبير: "خاوتي سامحوني رايح نهدر في التلفون، راهي حاجة مهمة" وطلب من السائق أن يخفض صوت الراديو كي يتمكن من إجراء المكالمة. قال في الهاتف: "شوف حسان يا صديقي، عمتي الضاوية جارتنا المسكينة كانت تلعب بقطعة نقدية وأرادت أن تعطيها لشعبان الطفل اليتيم جارنا، وأثناء اللعب معه أخفتها في فمها لكن القطعة النقدية تسربت إلى قصبتها الهوائية وهي الآن في جهازها التنفسي. ذهبنا بها إلى المستشفى لكنهم طلبوا منا أن نجري لها فحصا بالأشعة. هي مسكينة لم تكن تملك سوى تلك القطعة النقدية التي أرادت أن تتصدق بها على يتيم. فاتورة الأشعة تكلف 20.000 دينار جزائري. تمكنا البارحة مع أحباب الخير والمعارف والجيران والرجال أن نجمع لها 13.000 دج وبقيت 7000 دج إذا كان بإمكانك أن تقدم يد المساعدة لهذه الفقيرة التي ترقد في المستشفى بقسنطينة وتنتظر الأشعة كي تعود إلى الحياة. أنت لا تستطيع؟؟ بارك الله فيك، سأحاول في أماكن أخرى، ربي يحفظك، ربي ما فيه غير الخير وأحبابو كاينين". اختنق صوته بشيء يشبه البكاء ثم قال للشخص الذي بجانبه وهو يمسح دموعه والمخاط الذي يسمع صوته مع الزفير: "سامحني آ لعزيز بالاك قلقتك. إنها قضية مهمة بالنسبة إليّ. هذه جارتي منذ ولدتُ في ذلك الحي وهي اليوم تعيش محنة". قال في الهاتف مجددا: "مساء الخير يا أمي. نعرفك تحبي الخير. لقد حاولتُ اليوم مع أحباب الخير وتمكنا من جمع مبلغ ينقصه 7000 دج. هلاّ تكرّمت يا أمي وأعطيتني تلك النقود التي جمعتها من أجل شراء الدواء لأن ألمها أكبر بكثير من ألم ضغط دمك وربي فيه الخير. صحّ أمي، إذا لم أتمكن من جمعها اليوم سآتي في الليل كي آخذها لكن أخشى أن تموت خالتي الضاوية التي هي فرح الحي. سيلومنا الجيران لأننا فقراء ولم نتمكن من إنقاذ روح امرأة طيبة".
استمعتُ في صمت لم ألتفت ولم أتعاطف مع حكاية الشاب ولم أعطه سنتيما واحدا لأن السائق أخبرني حين ركبتُ معه مشيرا بإصبعه للشاب قبل أن يركب بأنه سيروي حكاية يودّ أن يحتال بها على الركاب.
ما أبشع العالم حين يصبح الألم والتعاطف أداة حادة لذبح ما تبقى من رحمة في القلوب.
ع يخلف

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire