
ديوجين: الفيلسوف/ الكلب / التمثال
عن منشورات (أبواب العالم) و في سلسلتها (Philipattes) صدرت قصة للأطفال بطلها الفيلسوف ديوجين (الذي يظهر في شكل قنفذ) و الاسكندر المقدوني (الأسد) حتى تمكنهم من فهم الفلسفة بشكل بسيط يلائم قدراتهم و شغفهم بقصص الحيوان، و يبدو أن المثل الانجليزي الذي يقول "خذ الحقيقة من فم الحصان" لم تكن تهذي. هنا ينتهي عالم الأطفال و لا أعتقد أن "ديوتيما مانتينيه" مؤلفة الكتاب قد تجرأت لتقول للأطفال أن فيلسوفها لم يكن بالشخص العادي و لا القنفذ المسالم بل كان يحرض على أكل البشر.

حكمة البرميل
يقول "كريس براون" أستاذ العلاقات الدولية في مدرسة لندن للاقتصاد و العلوم السياسية أن أول من طبق المذهب الكوسموبوليتي هو الفيلسوف ديوجين، و يشير المصطلح إلى مبدأ بناء أفكار تقود الانسان إلى اعتبار نفسه مواطنا ليس لدولة معينة بحدودها السياسية و الثقافية بل مواطنا عالميا و هذا ما عمل من أجله فلاسفة التنوير في أوربا على اختلاف اتجاهاتهم (كانط/ جون جاك روسو/ هيغل) بهدف بناء عالم يسوده السلم الدائم و كان مشروعا أخلاقيا حالما. هكذا يخرج اسم ديوجين (413-327 ق م) كالمارد من صفحات التاريخ المصفرة كي يحتل مركز النقاش الفلسفي الدائر اليوم في الأوساط المعرفية التي تفكر في خلق مذهب يحترم الديمقراطية و حقوق الانسان و لكن بطريقة مساوية يشترك فيها الجميع و يعيشون فوق كوكب واحد يحاولون الابقاء عليه حيا. ألم يقم ديوجين بمحاربة الاستعباد في أثينا حين كان يصرخ يوميا: من يشتري له سيّدا؟ تعود الحادثة إلى أنه كان مسافراً ذات مرة فأمسك به قطاع الطرق وساقوه إلى سوق النخاسة لبيعه كعبد.. وعندما سألوه: ماذا بإمكانك أن تفعل؟؟ قال: أحكم الرجال.. بيعوني لمن يريد سيداً له.
ولد ديوجين بمدينة سينوب التي تم ابعاده عنها مع أبيه هايزيسياس بتهمة اتلاف العملة المحلية و المضاربة بها. كان يتدحرج داخل برميله على الرمل الحار صيفا و يقبـّل التماثيل الرخامية الباردة شتاء كي يدفع بجسده إلى أقصى التجارب. رآه أحدهم يمد يده لتمثال يستعطفه بعض الدراهم فسأله: كيف تطلب تمثالا لن يعطيك شيئا؟ فرد: كي أروض نفسي على تقبل الهزائم.
حث الناس على ملاحظة سلوكاتهم اليومية و على الابتعاد عن كل أشكال العبودية للحاكم و المجتمع و للرغبات و محاولة تهذيب و محاورة ما يتبقى كجوهرة داخل الانسان: الروح. يتكرر اسم هذا المخلوق عشرات المرات يوميا و بكل اللغات في حالتين و هما ما علق بالذاكرة البشرية الجماعية لفيلسوف ساخر ينتمي إلى الكلبية و هو تيار فلسفي يطلب من الانسان أن يعيش كالكلب كي يحقق انسانيته، و اكتفى هو شخصيا بالعيش على هامش حياة البذخ و الرفاهية حتى أنه كان يقضي لياليه في العراء، ينام في الشوارع ، يأكل مما يجود به الناس عليه و يجول شوارع أثينا و كورينث مجردا من ثيابه الا من برميل يحيط جسمه محتجا بذلك على أشكال الوجود البشري و تجسداته الأثينية، عاش حياة الزهد و التقشف، قال و فعل الكثير.
الحادثة الأولى معروفة جدا و متكررة بشكل مبتذل و هي "مصباح ديوجين". وجدوه يوما يحمل مصباحا في عز النهار فسألوه لماذا، فرد بقوله المأثور: "إنني أبحث عن ...". ماذا قال الرجل في الحقيقة؟ البعض يقول أنه قال "أبحث عن انسان/ رجل/ الرجل/ رجل حكيم/ رجل حقيقي/ انسان حقيقي/ بشر/ الحقيقة ... إلى ما شابه ذلك من الأشياء، فما الذي لم يقله ديوجين الذي لم يكن يفتش عن رجل بعينه بل عن الانسان الفكرة لكنه في النهاية ما وجد سوى بشرا في شكلهم الفيزيائي، هوالذي قال يوما "الحق ليس أكثر تأكيدا مما هو محتمل"؟
كان ديوجين من أشهر فلاسفة عصره و كان ناسكا كبيرا زاهدا في الدنيا و أعجب الاسكندر المقدوني بشخصيته لما لحقه من أخبار و حكايات حتى أنه قال ذات يوم "لو لم أكن
يقول "كريس براون" أستاذ العلاقات الدولية في مدرسة لندن للاقتصاد و العلوم السياسية أن أول من طبق المذهب الكوسموبوليتي هو الفيلسوف ديوجين، و يشير المصطلح إلى مبدأ بناء أفكار تقود الانسان إلى اعتبار نفسه مواطنا ليس لدولة معينة بحدودها السياسية و الثقافية بل مواطنا عالميا و هذا ما عمل من أجله فلاسفة التنوير في أوربا على اختلاف اتجاهاتهم (كانط/ جون جاك روسو/ هيغل) بهدف بناء عالم يسوده السلم الدائم و كان مشروعا أخلاقيا حالما. هكذا يخرج اسم ديوجين (413-327 ق م) كالمارد من صفحات التاريخ المصفرة كي يحتل مركز النقاش الفلسفي الدائر اليوم في الأوساط المعرفية التي تفكر في خلق مذهب يحترم الديمقراطية و حقوق الانسان و لكن بطريقة مساوية يشترك فيها الجميع و يعيشون فوق كوكب واحد يحاولون الابقاء عليه حيا. ألم يقم ديوجين بمحاربة الاستعباد في أثينا حين كان يصرخ يوميا: من يشتري له سيّدا؟ تعود الحادثة إلى أنه كان مسافراً ذات مرة فأمسك به قطاع الطرق وساقوه إلى سوق النخاسة لبيعه كعبد.. وعندما سألوه: ماذا بإمكانك أن تفعل؟؟ قال: أحكم الرجال.. بيعوني لمن يريد سيداً له.
ولد ديوجين بمدينة سينوب التي تم ابعاده عنها مع أبيه هايزيسياس بتهمة اتلاف العملة المحلية و المضاربة بها. كان يتدحرج داخل برميله على الرمل الحار صيفا و يقبـّل التماثيل الرخامية الباردة شتاء كي يدفع بجسده إلى أقصى التجارب. رآه أحدهم يمد يده لتمثال يستعطفه بعض الدراهم فسأله: كيف تطلب تمثالا لن يعطيك شيئا؟ فرد: كي أروض نفسي على تقبل الهزائم.
حث الناس على ملاحظة سلوكاتهم اليومية و على الابتعاد عن كل أشكال العبودية للحاكم و المجتمع و للرغبات و محاولة تهذيب و محاورة ما يتبقى كجوهرة داخل الانسان: الروح. يتكرر اسم هذا المخلوق عشرات المرات يوميا و بكل اللغات في حالتين و هما ما علق بالذاكرة البشرية الجماعية لفيلسوف ساخر ينتمي إلى الكلبية و هو تيار فلسفي يطلب من الانسان أن يعيش كالكلب كي يحقق انسانيته، و اكتفى هو شخصيا بالعيش على هامش حياة البذخ و الرفاهية حتى أنه كان يقضي لياليه في العراء، ينام في الشوارع ، يأكل مما يجود به الناس عليه و يجول شوارع أثينا و كورينث مجردا من ثيابه الا من برميل يحيط جسمه محتجا بذلك على أشكال الوجود البشري و تجسداته الأثينية، عاش حياة الزهد و التقشف، قال و فعل الكثير.
الحادثة الأولى معروفة جدا و متكررة بشكل مبتذل و هي "مصباح ديوجين". وجدوه يوما يحمل مصباحا في عز النهار فسألوه لماذا، فرد بقوله المأثور: "إنني أبحث عن ...". ماذا قال الرجل في الحقيقة؟ البعض يقول أنه قال "أبحث عن انسان/ رجل/ الرجل/ رجل حكيم/ رجل حقيقي/ انسان حقيقي/ بشر/ الحقيقة ... إلى ما شابه ذلك من الأشياء، فما الذي لم يقله ديوجين الذي لم يكن يفتش عن رجل بعينه بل عن الانسان الفكرة لكنه في النهاية ما وجد سوى بشرا في شكلهم الفيزيائي، هوالذي قال يوما "الحق ليس أكثر تأكيدا مما هو محتمل"؟
كان ديوجين من أشهر فلاسفة عصره و كان ناسكا كبيرا زاهدا في الدنيا و أعجب الاسكندر المقدوني بشخصيته لما لحقه من أخبار و حكايات حتى أنه قال ذات يوم "لو لم أكن
الاسكندرلتمنيت أن أكون ديوجين".

هنا تأتي الحادثة الثانية و هي أن الاسكندر و في احدى الحملات العسكرية نزل بمدينة
كورينث و كان ديوجين في صومعته فأطل عليه الاسكندر و قال له: "أطلب ما تشاء و سأوفره لك حتى إن كان ذلك نصف مملكتي، فرد عليه الفيلسوف بقولته المشهورة: "رجاء تنحّ قليلا من أمامي إنك تحجب عني أشعة الشمس. إنك تحرمني من الشيء الوحيد الذي لا تستطيع منحي إياه ". قال الاسكندر للفيلسوف (اشارة إلى البرميل الذي كان يعيش بداخله ديوجين): هذا برميل مليء بالحكمة. فقال ديوجين: أتمنى لو كان لدي بدل هذا البرميل المليء بالحكمة نقطة واحدة من الحظ الجيد. للحكمة طعم مر، وأحياناً تودي بك إلى الهلاك، بينما الحظ يفتح لك أبواباً ويحقق لك سعادة ما كنت تحلم بها.
في ديوان "اسكندر البرابرة" للشاعر العراقي محمد مظلوم هناك إشارة او ومضة من "الموجز الاغريقي" الى حوار ديوجين مع الاسكندر المقدوني، كما ان ثمة اشارة من سيرة الاسكندر نفسه، الى استاذه ارسطو دون ان يصرح باسمه: "تسألني ايها الفيلسوف/ ما حاجتي الى كل هذه الاسفار/ ما دمت سأصل وأستريح؟ / وأقول: ما سافرت لكي اصل".
الكلبيون Cynics ، والأسم مشتق من كلمة(Kyon) و تعني كلب باليونانية ، و هو اسم الشهرة لأهم فلاسفة هذه المدرسة وهو ( ديوجين ) و لكن مؤسسها هو انتسثننس Antisthenes أحد تلاميذ سقراط، و هذه المدرسة أشبه بالمتصوفة . يستند هذا المذهب إلى التوكيد على السمو الكلي لنظام ونسق الطبيعة على جميع العناصر الاخرى. فالحضارة بالنسبة له هي مساعد على الانحراف والفساد المعكر للعنصر الطبيعي وهي التي تقتلع البراءة وترسخ الظلال، وبهذه الوتيرة يتحول الواقع الى مادة كريهة بشعة تتكوم حولها الممنوعات والعقد والفضائح. إن كل ماهو اصطناعي حسب الفيلسوف الكلبي ينبغي إذن أن يقصى. فمشروع ديوجين يتلخص في العودة الى البدائية الاولى أو مايسمى جزافا بالتوحش والتغذية تخضع اذن لهذه الرغبة. فالفيلسوف الكلبي يخضع للشك ليس فقط المدينة التي يعيش فيها (المدينة الفاضلة) وإنما أيضا المجتمع والحضارة برمتها. واحتجاج الفيلسوف هو نقد عام وشامل للوضعية "المتحضرة".
كان ديوجين يرتدي عباءة خشنة و بيده عصا و محفظة صغيرة. تعود التقشف الشديد و الاكتفاء بالقليل مع نبذ كل مظاهر الترف و التبذير. يحكى أنه عاش في أثينا خلال القرن الثالث قبل الميلاد وكان يلقب نظراً لأسلوب حياته بالـ ( Cynic). ينام في العراء لأن حريته أكبر من أن تبقى حبيسة البيوت و الأسوار.
ديوجين / الفلاسفة
ذهب هذا الرجل يوماً إلى الفيلسوف اليوناني أنتيثينس (وهو أحد أتباع سقراط ) وطلب منه أن يقبل به كتلميذ فرفض الأستاذ، وعندما ألح ديوجين بطلبه ضربه أنتيثينس بعصاه، فقال ديوجين: "اضربني كما تشاء لكنك لن تجد أبداً عصاً أصلب من تصميمي على البقاء والاستماع لما تقوله طالما أنه يستحق الاستماع". وعندها أُعجب الأستاذ به وقبله بين تلامذته ومنذ ذلك الوقت أُعتبر ديوجين أحد أهم الفلاسفة الكلبيين.يؤمن هذا المذهب بمبدأ سقراط القائل بأن الفضيلة هي غاية الحياة وهي سر السعادة.. حيث عرّف الفضيلة بأنها المعرفة ثم كل من جاء بعده حاول الوصول لهذه الفضيلة كل على طريقته. وكانت الكلبية هي أحد المدارس الثلاث التي تفرعت عن السقراطية (الرواقية، الأبيقورية، الكلبية). أما هدف الفلسفة فيلخصه ديوجين في اجابته حين سأله أحدهم: لماذا تدرس الفلسفة؟ قال: ما أهمية أن تعيش إن أنت لم تتعلم كيف تعيش بشكل جيد. كان يرى أن الحكمة / السعادة تتلخص في تغليب الطبيعة على القانون و جعل الحيوان نموذجا يحتذى به لبساطته و تواضعه و احتلال مكانة ثقافية تكون ضد ثقافة المجتمع.
قيل أن أفلاطون أقام حفلة لفلاسفة عصره و زين بيته بفاخر الرياش و بالسجاد الثمين جدا و كان ديوجين من بين المدعوين و داس بقدمه على السجاد مشمئزا. فسأله أفلاطون: لماذا تدوس على السجاد هكذا يا ديوجين؟ فرد قائلا: أنا لا أدوس على السجاد إنما على كبرياء أفلاطون. أجابه أفلاطون: و لكنك تدوس على كبرياء أفلاطون بكبرياء".
كانت هناك عداوة بين أفلاطون وديوجين، حيث كان أفلاطون يمجّد المدينة الفاضلة وحكامها وكان يرفض أي نوع من الآداب والفنون إن لم يتغنوا بالحاكم والمدينة الفاضلة أما ديوجين فقد كان يرفض كل هذه المظاهر الكاذبة وكان يسخر من المدينة الفاضلة وينتقد قوانين المجتمع والحضارة السائدة وكان يعبّر عن رفضه هذا بأسلوب حيلته. ذات مرة رآه أفلاطون يغسل الخس ( كان يفعل ذلك للحصول على لقمة عيشه) فقال له أفلاطون: لو توددت للحاكم لما اضطررت لهذا العمل. أجابه ديوجين: لو غسلت أنت الخس لما اضطررت لتملق الحاكم.
نعت أفلاطون مرة ديوجين بالـكلب فأجابه ديوجين: هذا صحيح لأنني دائماً أعود إلى أولئك الذين يبيعونني. كان ديوجين يقول عن محاضرات أفلاطون بأنها إضاعة للوقت. وذات مرة كان أفلاطون يحاضر بين طلابه ويعرّف الإنسان بـ (حيوان بلا ريش ويمشي على قدمين ) فدخل ديوجين حاملاً بيده دجاجة من دون ريش وقال: انظروا، ها هو إنسان أفلاطون.
النهاية / الخلاص
الطرائف التي نقلت لنا عن هذا الفيلسوف الفريد متنوعة حتى في وصفها لقصة موته. فأحدى هذه القصص تذكر أنه امتنع ذات يوم عن التنفس بشكل ارادي ولم يدع نسمة هواء تدخل رئتيه، وهو ماندعوه بلغتنا الحالية : الانتحار. وقصة أخرى تذكرأنه كان ضحية كلب كان ينافسه في الحصول على أخطبوط بحري كان الفيلسوف ينوي تناوله نيئا و كانت المعركة كلبية بشكل كامل. البعض يذكر أيضا ان الفيلسوف بعد حصوله على بقية الاخطبوط تناوله نيئا وسبب له الحبر المنعبث من كيس الاخطبوط تسمما لم يستطع الخلاص منه. يذكر بلوتارك أن ديوجين أراد أن يأكل أخطبوط بحر أمام جمع من مريديه، مع علمه بإفرازات هذا الحيوان البحري وخطورة تناوله نيئا، وذلك لكي يؤكد أفضلية تناول اللحم النيء، وهكذا فقد عمد الى تغليف نفسه بمعطفه وقال وهو يضع اللحم في فمه: من أجلكم أخاطر بحياتي!.
حين كتب أحد أشرار المدينة على باب بيته لافتة تقول "لا يدخل هذا البيت مكروه" فقال ديوجين "و من أين يدخل صاحب البيت إذن؟". قبل أن يموت طلب من مريديه رميه للحيوانات المفترسة، و لم تكن الحياة بالنسبة إليه شرا بل ممارستها بشكل خاطئ هو الشر بعينه. قال قبل أن يغادر للأبد: "كم محزن هو المشهد/ دون جدوى/ فتشت بينكم عن انسان/ انسان حقيقي/ لم أجد سوى الأوغاد".
ذهب الرجل تاركا الكثير من الأقوال و الجمل الخالدة التي لم تصدر عن لغو أو فكاهة بليدة بل كانت مهمازا للفكر البشري و نرجسة طالعة في زمن الجشع و السلوكات المرضية التي لحقت بالبشر. المال و الملكية سبب كل البلايا، قالها ديوجين منذ آلاف السنين و جاء كارل ماركس كي يجعل من الفكرة نظرية علمية يفسر عن طريقها تاريخ الانسانية.
ديوجين صاحب المصباح/ الشمس قال ذات مرة: اسمي ديوجين، كنيتي كلب/ يا صاحب العربة/ يا حامل الموتى إلى الطرف الآخر/ خذني معك/ لا تنسى أنني إن فعلت شيئا في كامل حياتي/ هو حين خلصت الحياة الانسانية من كل فخر مزيف.
عبد السلام يخلف
جامعة قسنطينة
ذهب هذا الرجل يوماً إلى الفيلسوف اليوناني أنتيثينس (وهو أحد أتباع سقراط ) وطلب منه أن يقبل به كتلميذ فرفض الأستاذ، وعندما ألح ديوجين بطلبه ضربه أنتيثينس بعصاه، فقال ديوجين: "اضربني كما تشاء لكنك لن تجد أبداً عصاً أصلب من تصميمي على البقاء والاستماع لما تقوله طالما أنه يستحق الاستماع". وعندها أُعجب الأستاذ به وقبله بين تلامذته ومنذ ذلك الوقت أُعتبر ديوجين أحد أهم الفلاسفة الكلبيين.يؤمن هذا المذهب بمبدأ سقراط القائل بأن الفضيلة هي غاية الحياة وهي سر السعادة.. حيث عرّف الفضيلة بأنها المعرفة ثم كل من جاء بعده حاول الوصول لهذه الفضيلة كل على طريقته. وكانت الكلبية هي أحد المدارس الثلاث التي تفرعت عن السقراطية (الرواقية، الأبيقورية، الكلبية). أما هدف الفلسفة فيلخصه ديوجين في اجابته حين سأله أحدهم: لماذا تدرس الفلسفة؟ قال: ما أهمية أن تعيش إن أنت لم تتعلم كيف تعيش بشكل جيد. كان يرى أن الحكمة / السعادة تتلخص في تغليب الطبيعة على القانون و جعل الحيوان نموذجا يحتذى به لبساطته و تواضعه و احتلال مكانة ثقافية تكون ضد ثقافة المجتمع.
قيل أن أفلاطون أقام حفلة لفلاسفة عصره و زين بيته بفاخر الرياش و بالسجاد الثمين جدا و كان ديوجين من بين المدعوين و داس بقدمه على السجاد مشمئزا. فسأله أفلاطون: لماذا تدوس على السجاد هكذا يا ديوجين؟ فرد قائلا: أنا لا أدوس على السجاد إنما على كبرياء أفلاطون. أجابه أفلاطون: و لكنك تدوس على كبرياء أفلاطون بكبرياء".
كانت هناك عداوة بين أفلاطون وديوجين، حيث كان أفلاطون يمجّد المدينة الفاضلة وحكامها وكان يرفض أي نوع من الآداب والفنون إن لم يتغنوا بالحاكم والمدينة الفاضلة أما ديوجين فقد كان يرفض كل هذه المظاهر الكاذبة وكان يسخر من المدينة الفاضلة وينتقد قوانين المجتمع والحضارة السائدة وكان يعبّر عن رفضه هذا بأسلوب حيلته. ذات مرة رآه أفلاطون يغسل الخس ( كان يفعل ذلك للحصول على لقمة عيشه) فقال له أفلاطون: لو توددت للحاكم لما اضطررت لهذا العمل. أجابه ديوجين: لو غسلت أنت الخس لما اضطررت لتملق الحاكم.
نعت أفلاطون مرة ديوجين بالـكلب فأجابه ديوجين: هذا صحيح لأنني دائماً أعود إلى أولئك الذين يبيعونني. كان ديوجين يقول عن محاضرات أفلاطون بأنها إضاعة للوقت. وذات مرة كان أفلاطون يحاضر بين طلابه ويعرّف الإنسان بـ (حيوان بلا ريش ويمشي على قدمين ) فدخل ديوجين حاملاً بيده دجاجة من دون ريش وقال: انظروا، ها هو إنسان أفلاطون.
النهاية / الخلاص
الطرائف التي نقلت لنا عن هذا الفيلسوف الفريد متنوعة حتى في وصفها لقصة موته. فأحدى هذه القصص تذكر أنه امتنع ذات يوم عن التنفس بشكل ارادي ولم يدع نسمة هواء تدخل رئتيه، وهو ماندعوه بلغتنا الحالية : الانتحار. وقصة أخرى تذكرأنه كان ضحية كلب كان ينافسه في الحصول على أخطبوط بحري كان الفيلسوف ينوي تناوله نيئا و كانت المعركة كلبية بشكل كامل. البعض يذكر أيضا ان الفيلسوف بعد حصوله على بقية الاخطبوط تناوله نيئا وسبب له الحبر المنعبث من كيس الاخطبوط تسمما لم يستطع الخلاص منه. يذكر بلوتارك أن ديوجين أراد أن يأكل أخطبوط بحر أمام جمع من مريديه، مع علمه بإفرازات هذا الحيوان البحري وخطورة تناوله نيئا، وذلك لكي يؤكد أفضلية تناول اللحم النيء، وهكذا فقد عمد الى تغليف نفسه بمعطفه وقال وهو يضع اللحم في فمه: من أجلكم أخاطر بحياتي!.
حين كتب أحد أشرار المدينة على باب بيته لافتة تقول "لا يدخل هذا البيت مكروه" فقال ديوجين "و من أين يدخل صاحب البيت إذن؟". قبل أن يموت طلب من مريديه رميه للحيوانات المفترسة، و لم تكن الحياة بالنسبة إليه شرا بل ممارستها بشكل خاطئ هو الشر بعينه. قال قبل أن يغادر للأبد: "كم محزن هو المشهد/ دون جدوى/ فتشت بينكم عن انسان/ انسان حقيقي/ لم أجد سوى الأوغاد".
ذهب الرجل تاركا الكثير من الأقوال و الجمل الخالدة التي لم تصدر عن لغو أو فكاهة بليدة بل كانت مهمازا للفكر البشري و نرجسة طالعة في زمن الجشع و السلوكات المرضية التي لحقت بالبشر. المال و الملكية سبب كل البلايا، قالها ديوجين منذ آلاف السنين و جاء كارل ماركس كي يجعل من الفكرة نظرية علمية يفسر عن طريقها تاريخ الانسانية.
ديوجين صاحب المصباح/ الشمس قال ذات مرة: اسمي ديوجين، كنيتي كلب/ يا صاحب العربة/ يا حامل الموتى إلى الطرف الآخر/ خذني معك/ لا تنسى أنني إن فعلت شيئا في كامل حياتي/ هو حين خلصت الحياة الانسانية من كل فخر مزيف.
عبد السلام يخلف
جامعة قسنطينة